الجذور اللغويه

الجذور اللغوية - الاّرامية أم الأبجدية - 2






هكذا بدأت الكتابة بالإتفاق الضمني العملي على معاني العلامات والخطوط التصويرية والرموز التي حفرها الإنسان الأول في المغاور أو على الرقم الطينية وجلود الحيوانات أو ورق البردي والفخّار وغيرها وفق ما وفّرته الطبيعة له في كل منطقة عاش فيها . ضمن التكوينات الأولى للدولة المدينة التي تحولت تدريجياّ بالغزو والسيطرة على المدن الأخرى إلى مرحلة الإمبراطوريات البدائية الأولى ....
ومع توسع الدولة وازدياد مواردها , أصبح للغة والكتابة طقوسها وفئتها الخاصة المحصورة بها والمرتبطة بالقصور والمعبد فقط وهنا نشأ أول نموذج للدجّالين ( وعّاظ السلاطين _ وفق تعبير علي الوردي )
وتستمر عملية تطور اللغة والكتابة في الرموز والرسوم وتبتكر رسوم الأختام الرسمية على الفخّار والر’قم التي وجدت في عصر العبيد الذي سبق سومر وإيبلا وأوغاريت وانتقل من سورية إلى الرافدين فبل الألف الخامسة قبل الميلاد ....
ثم تطورت اللغة على أيدي السومريين في مابين النهرين ( ميزو بوتاميا ) باتباع أسلوب مختلف في التعبير حيث كانت معظم الأسماء السومرية تتألف من مقطع واحد فكلمة ( كا ) مثلاّ كانت تعني الفم , كما كانت صورة رأس إنسان على كلمة كا – تدل على فكرة الصوت أيضا (
ثم طوّر الأكاديون التصنيف السومري إلى تصنيف جديد من ثلاثة مقاطع مع وضع كلمة ( كي ) للدلالة عند تسمية أحد الأقطار , ثم توسعت اللغة بالإشتقاق , ثم استعملت الألف واللام (ال ) أمام أسماء الاّلهة المبتكرة , ومنها أتت كلمة ( إيل ) التي تحوّلت مع مرور الزمن إلى إسم ( الله أو يهوه ) بعد الإدغام في اللغة ( 9 )
ويرى الدكتور يوسف الحوراني : أن ( ال ) التعريف في العربية أتت من اللغة الأكد ية حيث كان أهل الرافدين قد تعوّدوا على وضع كلمة ( أيل ) قبل أي أسم لحفظه من الشر ومع الزمن أصبحت أيل (ال ) للتعريف وانتقلت إلى العربية ومنه اشتق إسم يهوه _ والله طبعاّ - أما الاّراميون فقد اختاروا اسم الإشارة للتعريف ( ها ) واستعملوها للإشارة وللضمائر أيضاّ ومنه اشتق اسم (يهوه والله أيضاّ ) .... أما الكنعانيون والفينيقيون وكلهم أفخاذ من الأصل الاّرامي فاستعملوا التنوين كأداة للتعريف وكتب إسم لبنان مثلاّ ( لبناّ ) أي الأبيض في الاّرامية وابنتها الكنعانية ( 10 )
أما الهيروغليفية في مصر فقد احتفظت بشكلها التصويري أكثر من ثلاثة اّلاف سنة مع تطور بطيْ في الشكل دون أن تتطوّر إلى أبجدية ,, وبقيت الهيروغليفية أسيرة الحرف والكلمة الصورة مع تطور بطيْ جدأّ في الشكل والرمز في عصور السلالات المتأخرة . إلى جانب استعمال الفراعنة علامات المقاطع والأصوات الساكنة :كما فعل السومريون والبابليون دون أن يبلغوا مرحلة الأبجدية ....
كان الإطار الجغرافي للغات القديمة يتسع ويتقلص وفق التوسع العسكري والإقتصادي والسياسي للدول بعد ولادة الدولة المدينة وولادة حروب الهيمنة كنتيجة طبيعية لولادة الملكية الخاصة ونظام الرق الذي برز لأول مرة بين المدن السومرية في جنوب العراق ( أور – الوركاء – أريدو وغيرها ) التي انتهت ببناء امبراطورية كبيرة تخضع الشعوب لهيمنتها ... ولعبت التجارة وتبادل منتجات الزراعة والحرفة دوراّ رئيسيا في توسيع نفوذ اللغة ومصطلحاتها مع إبقاء المصطلحات المحلية المختلفة من قطر لاّخر ....
رغم هذا التطور لم تستطع اللغات القديمة في سومر وأكد واّشور والحثيون والاّموريون وغيرهم تجاوز مرحلة الخط المسماري والإشارات الصوتية .. وبقيت اللغة تضم اّلاف الرموز والإشارات والصور المتباينة التي لايتقن فهمها سوى فئة صغيرة من الناس تتمثل في كتبة وسدنة المعابد وكهنتها الذين يمجدون الملك ويؤلهونه ويحرقون البخور عند قدميه .
ومع النمو الإقتصادي الذي رافق النمو السكاني في المشرق العربي واتساع رقعة التبادل التجاري الذي تطور إلى مرحلة صك النقود خصوصاّ في بلاد الشام وما بين النهرين لتحل محل نظام المقايضة – وتوسيع النشاط التجاري عبر الطرق البرية شرقاّ وغرباّ عبر المتوسط وجنوباّ عبر الخليج العربي وقاعدته الأساسية ( دلمون ) البحرين اليوم ... ومع هذا التطور الإقتصادي الكبير أضحت اللغة القديمة والعلاقات القديمة ونمط الميشة العبودي الذي أنتجها حجر عثرة أمام تطور النظام الذي أنتجها في الداخل والخارج وأضحى البناء الفوقي للمجتمع المشرقي مرتبطاّ بقاوْه بالتطور ليسهّل عمل النظام الإقتصادي وتطوره دون عراقيل... و إذا لم يتطور البناء الفوقي وفي مقدمته الفكر واللغة بتطور الواقع المادي الذي أنتجه .. تحول إلى معرقل لتطور الواقع وأدى إلى انحراف الإثنين معاّ ... أو فنائهما معاّ _ كما فني وعّاظ الطغاة وأبواقهم مع الطغاة عبر التاريخ
من هنا تأتي أهمية الثورة الفكرية في البناء الفوقي التي انطلقت من تطور اللغة الثوري الجريْ نحو لغة ذات أحرف محدّدة ومبسّطة وعامة لجميع الناس ثم وضع قواعد صرف ونحو ثابتة لها يستطيع الناس تعلمها والكتابة بها ... حيث لم تعد لغة الخاصة كما لم تعد مثقلة باّلاف الرموز والصور ...
هكذا ولدت اللغة الضرورة بعد مخاض طويل وتراكم مادي كبير لتحدث الثورة الفكرية والعملية المطلوبة لمواكبة تطور البناء التحتي ...لغة الضرورة صاغتها عبقرية الاّراميين في مملكتهم المسالمة التي لم تغز أحداّ بل غزيت ودمّر الكثير من معالمها الغزاة من كل صنف ونوع وبقيت دمشق عاصمتها خالدة هازئة بالطغاة القدامى والحاليين الذين اغتصبوها ورحلوا ..
صاغت عبقرية الاّراميين لغة أبجدية منمنمة اختصرت اّلاف السنين من عمر اللغات القديمة على الأرض .. في أبجدية مبرمجة لاتتجاوز إثنين وعشرين حرفاّ وقواعد ثابتة اختزلت تجارب المجتمع البشري منذ اّلاف السنين

.... الاّرامية أم اللغات الأبجدية
--------------------------- : لم يبن الاّراميون إمبراطورية كبقية الإمبرطوريات القديمة .. حيث لم يسجل التاريخ , إن الاّراميين غزو أو اعتدوا على غيرهم من الممالك ... بل كان العكس صحيحاّ , حيث تعرضت دولتهم وعاصمتها اّرام دمشق لعدة غزوات مدمرة ثم نهضت من جديد كالعنقاء من تحت الرماد والركام ....وصاغ الاّراميون لغتهم بعبقرية فريدة تطورت مع تطور الواقع الجديد دوماّ إلى إبنتها الشرعية اللغة السريانية وفروعها الكنعانية والفينيقية ( أطلق اليونان اسم الفينيقيين على سكان الساحل السوري واللبناني خصوصاّ لأنهم كانو بحّارة روّاد تاجروا بنجاح بالأرجوان الأحمر المستخرج من البحر والذي يسمى في اليونانية ( فينيقس ) كما كان من فروعها لغات حمير في اليمن والأنباط ومملكة تدمر وأوغاريت والغساسنة ومملكة ماوية الدمشقية في القرن السادس الميلادي وغيرها في بلاد الشام وكذلك في الحيرة ومملكة الحضر وعموم العراق ...وصولاّ إلى القرن الأفريقي في اللغة التغرينية اللغة الرسمية لدولة أرتيريا وجزء من أثيوبيا أيضاّ ...( 11 ).
كانت اللغة الاّرامية لغة العلم والثقافة والأدب والشعر والتجارة , وبناء الدولة المجتمعي والإقتصادي في العالم القديم كله ... الأمرالذي يؤكد أكاذيب الصهيونية العالمية التي تزعم أن اللغة العبرية هي أم اللغات ( السامية ) بينما الواقع التاريخي يؤكد أن اليهود في فلسطين هجروا لهجتهم العبرية المشتقة من الاّرامية لاأكثر وتكلموا وكتبوا بالاّرامية والسريانية لغة جيرانهم الكنعانيين .. كما نبذوا إلههم ( يهوه ) وعبدوا اّلهة الكنعانيين قبل الميلاد ( 12 )... وجاء السيد المسيح وتلاميذه وقبله جاء يوحنا نبي الصابئة كما جاء الغيارى الذين قاموا بثورة في الجليل مطموسة في التاريخ ضد العنصرية اليهودية والإحتلال الروماني وتكلم جميعهم الاّرامية السريانية ولم يتكلموا العبرية أبداّ وتطالعنا المصادرالتاريخية الموثوقة . أن اليهود تخلوا عن لهجتهم العبرية قرونا طويلة واستعملوا الاّرامية السريانية .. التي تكلم بها السيد المسيح وكتبت بها الأناجيل الأربعة

ما شاء الله على الموضوع مثير جدا